السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام هذه مجموعة ملاحظات لعلها تكون نافعة بخصوص الوضع في مصر. وفيها إجابات عن تساؤلات ثارت بعد نشري لكلمة (يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح).
أولا: عندما نقول أن علينا الاهتمام بالدعوة وتطهير نفوسنا في هذه المرحلة فينبغي عدم الخلط بين هذا الطرح وبين ما يقوله بعض المنتسبين للسلفية. ينبغي إخواني ملاحظة الفرق الكبير بين أن نقول: نريد تصحيح المسار واستمالة من يمكن استمالته من شعبنا إلى هذا المسار النقي لنتعاون جميعا في اقتلاع الباطل من جذوره، وأثناء ذلك لا نتصالح مع الباطل ولا نتنازل له ولا نضفي عليه الشرعية في عيون الناس ولا نطلب منه كرسيا في هيكلية حكمه الفاسدة! بل نتمايز عنه ونؤسس دعوتنا من قواعدها المنفصلة ونتحمل بطش الباطل الذي لن يسكت عنا في هذا كله.
فرق بين هذا وبين التحالف مع الباطل وإضفاء الشرعية عليه وتطويع الناس له بحجة "المصلحة والمفسدة"! والدخول في هيكليات حكمه الفاسدة.
ثانيا: يعترض البعض على من يؤكد ضرورة دعوة الناس وتوعيتهم في هذه المرحلة على اعتبار أن العسكر لن يدَعونا نمارس الدعوة بل سيقمعوننا. فأقول إخواني: هذا دأب كل نظام ظالم عبر التاريخ. ومع ذلك فقد حقق الدعاة الكثير على الرغم من هذه الأنظمة لأنهم من أدوات الله في إعلاء دينه.
ونقول للذي يعتبر الدعوة غير مناسبة للمرحلة وغير موصلة للمراد: ما الحل الذي تقترحه بديلا عن هذا؟ أن يبقى أصحاب الهم الإسلامي على ما هم عليه من تنافر مع شريحة كبيرة من المجتمع؟ وما النتيجة التي تتوقعها من ذلك؟ أن يدرك عموم الشعب خطأه بنفسه وينحاز لأصحاب الهم الإسلامي فيسقط العسكر ويقوم حكم رشيد؟ هل هذه السيناريو التي يرسمها المعترضون؟ أتمنى أن يجيبونا.
وأود هنا التذكير بأن تأكيدنا على أهمية الدعوة لا يعني بالضرورة وقف الحراك المعارض لحكم العسكر، لكن نقول أن هذا الحراك لن يؤتي أكله -بل سيهدر الطاقات المتبقية- إن بقينا نسير فيه معزولين عن الناس وقضيتنا مشوهة لديهم. فلا بد أن تصاحبه دعوة نقية واستمالة الناس وإبراز قيادات جديدة.
- هذه الثلاثية التي لا نرى مخرجا دونها: دعوة أصيلة تتخلص من الالتواء وتنكب الصراط الذي مارسه بعضنا تحت مسميات "المصلحة والمفسدة" و"الأمر الواقع" فما جلبت لنا إلا المفاسد.
- واستمالة الناس موقنين بأننا إن أخلصنا النية لله وصدقنا التوكل عليه وأحسنا أخلاقنا ودعونا الناس ابتغاء وجه الله لا غير فإن الله جاعلٌ لنا من رصيد فطرتهم عونا يردم الفجوات ويجلو الغشاوات.
- وإبراز قيادات تتحلى بالعلم والإخلاص والحكمة تكتسب الثقة، متحررةٍ من نمطيات فكرة ونفسية أعاقت تقدم المشروع الإسلامي.
إن انضم إلى هذه الثلاثية حراك في الشارع كان لهذا الحراك فائدته وتأثيره.
ثالثا إخوتي: يعترض البعض على قولنا أنه لا يكفي بيان جرائم العسكر ومخازي من حالفوه من مشايخ السوء، وأن الحديث عن هؤلاء ينبغي ألا يشغلنا عن الجهد الدعوي التصحيحي.
هنا إخوتي نؤكد على أن الكلام هو عن التركيز لا عن مبدأ التبيان. وإلا فمن تابع كلماتي ومقالاتي يعلم أني لا أكف عن تبيان فساد العسكر وحلفائه. كلامنا هذا موجه للإخوة الذين يرصدون كل موقف وتصريح مخزٍ لهذا "الشيخ" أو ذاك، دون أن يكون له أي جهد في البناء الدعوي التصحيحي.
اسأل نفسك أخي: عبر الشهور الأربعة الماضية (ابتداء من إرهاصات 30-6)، كم بذلنا من جهد في تصحيح المنهج والتعلم من الأخطاء واستمالة الناس إلى الحق بدعوة أصيلة نقية؟ وكم في المقابل صرفنا من جهودنا وأوقاتنا في بيان قبح وإجرام عدونا وخيانة حلفائه؟
فهل النسبة في الوقت والجهد مقبولة؟ وهل التركيز على الثانية مع إهمال
الأولى تماما يأتي بفائدة أم لا يزيد الناس إلا نفورا؟
إخوتي، المرحلة تحتاج تخطيطا وإدارة وتحديد أهداف ووسائل. أكثرنا منشغل ببيان إجرام وخيانة المذكورين ظانا أن هذا يوصله إلى الهدف، بينما أكدت مرارا أن سقوط العسكر وحده لا يكفي لصعود نموذج إسلامي صحيح.
حامل الدعوة الإسلامية بحق يحتاج إلى أن يعمل بيدين معا: يد يبني بها بنيان الحق ويد يهدم بها بنيان الباطل، أما إن انشغل بهدم الباطل عن بناء الحق فسيعود الباطل لملء الفراغ مرة أخرى.
بلا شك مطلوب منا إعلان البراءة من المجرمين وحلفائهم وبيان أن تدين هؤلاء كاذب. لكن الاقتصار عليه سيعني لدى عامة الناس أننا إنما نفعله منافسة لهم على الدنيا، وانتقاما لذواتنا كما يصور الإعلام الكاذب، فكثير من الناس يفسر أفعالنا كلها تفسيرا مشوها. لكن عندما نعمل على رسم نموذج نقي ناصع بالدعوة والتصحيح فسيدرك الناس مدى الفرق الحقيقي بيننا وبين خصومنا ويعلمون حينها أن خصومتنا معهم ليست على دنيا.
رابعا: كلام كثير من الإخوة يدل على قطع الأمل في عوام الناس الذين وقفوا موقفا سيئا أو سلبيا في الأحداث وعادَوا من ينتسب إلى الاتجاه "الإسلامي". لذ فهم يستغربون مني أن أدعو إلى تألف الناس وردم الفجوات بيننا وبينهم وعدم مناصبتهم العداء.
هنا إخوتي أود أن أؤكد على أنه لا ينبغي معاملة الناس الذين أساؤوا إلينا وظلمونا في الآونة الأخيرة معاملة واحدة.
نعم، هناك قسم من الناس خبيث النفس معادٍ للدين عبد طاغوت بالفعل، ما ينقمه منا هو أنه يرانا حاجزا عن شهواته الفاجرة. وما عن مثل هؤلاء نتكلم، وليس هؤلاء هم الذين أدعو إلى تألفهم وجذبهم بحسن دعوتنا. ولا أريد أن يُظن أبدا أنا نرى هؤلاء مسلمين بحجة أن الإعلام ضللهم أو أن أخطاء "الإسلاميين" فتنتهم عن دينهم. فمن يعادي الشريعة ويرى فيها تخلفا ويفوض العسكر بهذا القصد لا عذر له.
كما أن هناك قسما من الناس "مع الواقف" أيا كان، فيميل مع كل من رجحت كفته لأنه عديم المبدأ. وما على هؤلاء أعول أيضا.
إنما أتكلم عن فئة كبيرة أعنا الشياطين عليها بأخطائنا. هؤلاء ظلمونا وجاوزوا الحد في ظلمنا. وقد خاطبتهم بذلك في كلمة (إلى من يفرح بقتل المعتصمين بمصر)، وبكلمات ومقالات قبلها وبعدها في كل محطة. لكن حتى مع تجريمنا إياهم بأنهم صدقوا الإعلام وردوا على خطايا "الإسلاميين" بالانحياز إلى الظلمة المفسدين، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، مع هذا كله فإنا لن نستطيع أن نفرض عليهم هم فعل مما يتوجب عليهم، فليس أمامنا إلا فعل ما يمكننا نحن فعلُه.
يمكننا القول بأن الموقف السيئ الذي اتخذه بعض الناس منا كان نتيجة عدة عوامل، فكأنها معادلة:
أخطاءنا + جهل الناس وقلة دينهم + افتراءات الإعلام = موقف الناس السيئ
العامل الذي بيدنا أن نلغيه هو (أخطاءنا).
أخطاء "الإسلاميين" لا تبرر موقف الناس كالذين أعطوا التفويض أو شمتوا بنا؟! لكننا في النهاية لسنا قضاة ممكنين نملك أن نقتص للمظلوم من الظالم. لذا، فمهما أثبتنا لأنفسنا أن الناس كانوا على ضلال وظلم فإن ذلك لن يغير من الواقع شيئا ما لم نقم نحن بإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو أنفسنا.
كم نسبة هؤلاء الذين يحبون الدين بالجملة ولا يعادون الشريعة، لكنهم ظلمونا وسفهوا علينا؟ كم نسبتهم مقارنة بالذين يعادون الشريعة حقا؟ هذا ما نختلف كثيرا في تقديره. لكن أيا كانت نسبتهم فنحن المسؤولون أمام الله تعالى عن دعوتهم واستمالتهم وإزالة الغبش عن بصائرهم لأن جزءا من ضلالهم كان بسببنا. وحتى جهلهم بالإسلام الذي أدى بهم إلى ما هم فيه لنا فيه نصيب، لأننا قصرنا في دعوتهم قبل الثورة أصلا.
إخوتي، أين كنا قبل الثورة نحن الذين نسمى إسلاميين أو "شيوخ"؟ أين كنا نحن الذين يُفترض أن نحمل هم الإسلام؟ ألم نكن أكثرُنا منشغلين بشؤوننا الشخصية ونشكو ضعفنا أمام الفتن ومعاناتنا مع غض البصر وكسلنا عن الطاعات وعن طلب العلم، وننشغل بجدالات فكرية كثيرا ما يدخلها التحاسد والتباغض وحظ النفس؟ بدل أن نحزم في ذلك كله ونُحكِمه ونتعداه إلى مرحلة هداية الناس ودلالتهم على دينهم؟ لذا فنحن الآن إخواني ندفع ثمن هذا كله ونعاني من تسليط الناس علينا بما قصرنا في دعوتهم.
كثير من هؤلاء الذين سفهوا علينا كانوا من قبل يرون أحدنا "سيدي الشيخ" الذي له الاحترام والتقديم في المجالس والطرقات، أيام كنا في بلاء الضراء في عهد اللامبارك.
هذا الانقلاب الكبير منهم علينا كان أحد أسبابه تصرفاتنا في فترة ما بعد الثورة، تصرفاتنا التي أفقدتنا المصداقية أمامهم إذ ابتُلينا بالسراء فلم نصبر.
معاملة الناس الذين ظلمونا معاملة واحدة سوف تُنجح مخطط الدولة العميقة في عزلنا وقوقعتنا عن الناس واستدامة حالة العداء مع المجتمع. بينما مهمتنا الآن أن نفتت هذه الكتلة الكبيرة الجاثمة على صدورنا، فنستميل من يمكن استمالته إلى منهج قويم ومسار مصحح، ومن لم يمكنا استمالته نحيده ما استطعنا بحيث يفشل العسكر في اتخاذه أداة لضرب الدعوة، ولا يبقى في معسكر العسكر إلا خبثاء النفوس معادو الشريعة عُباد الطاغوت.
وقد سمعت بفضل الله عمن كانوا انحازوا إلى العسكر في البداية ثم تأثر بما أنشره من كلمات. كم نسبتهم؟ لا يهمني. المهم ألا نلقى الله وقد قصرنا في دعوة من يمكننا دعوتهم.
ولنتذكر إخوتي أن أحد أكبر مكتسبات الثورة في بدايتها هو حالة الالتحام التي حصلت بين الشعب وبعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي، بحيث وقفوا معا في وجه الظلم، وتطلع الناس إلى "الإسلاميين" ليقودوا ثورتهم. وبعد أن كان بعض الدعاة يحصر دعوته في المتبرجة وتارك الصلاة أصبح هؤلاء الذين ينتقدهم شركاءه في مجابهة الإثم الأكبر والشر الأعظم متمثلا في نظام الاستعباد والاستبداد.
أخطأ منا من ترك الشعب وضغطَ الشارع وتلهى بلعبة الديمقراطية، فخسرنا أكبر مكتسبات الثورة متمثلا في الالتحام مع الشعب. ولا نريد أن نكرس هذه الخسارة ونُنجح مخططات أعدائنا بمعاداة عامة شعبنا ومعاملتهم على نسق واحد.
والله تعالى أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام هذه مجموعة ملاحظات لعلها تكون نافعة بخصوص الوضع في مصر. وفيها إجابات عن تساؤلات ثارت بعد نشري لكلمة (يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح).
أولا: عندما نقول أن علينا الاهتمام بالدعوة وتطهير نفوسنا في هذه المرحلة فينبغي عدم الخلط بين هذا الطرح وبين ما يقوله بعض المنتسبين للسلفية. ينبغي إخواني ملاحظة الفرق الكبير بين أن نقول: نريد تصحيح المسار واستمالة من يمكن استمالته من شعبنا إلى هذا المسار النقي لنتعاون جميعا في اقتلاع الباطل من جذوره، وأثناء ذلك لا نتصالح مع الباطل ولا نتنازل له ولا نضفي عليه الشرعية في عيون الناس ولا نطلب منه كرسيا في هيكلية حكمه الفاسدة! بل نتمايز عنه ونؤسس دعوتنا من قواعدها المنفصلة ونتحمل بطش الباطل الذي لن يسكت عنا في هذا كله.
فرق بين هذا وبين التحالف مع الباطل وإضفاء الشرعية عليه وتطويع الناس له بحجة "المصلحة والمفسدة"! والدخول في هيكليات حكمه الفاسدة.
ثانيا: يعترض البعض على من يؤكد ضرورة دعوة الناس وتوعيتهم في هذه المرحلة على اعتبار أن العسكر لن يدَعونا نمارس الدعوة بل سيقمعوننا. فأقول إخواني: هذا دأب كل نظام ظالم عبر التاريخ. ومع ذلك فقد حقق الدعاة الكثير على الرغم من هذه الأنظمة لأنهم من أدوات الله في إعلاء دينه.
ونقول للذي يعتبر الدعوة غير مناسبة للمرحلة وغير موصلة للمراد: ما الحل الذي تقترحه بديلا عن هذا؟ أن يبقى أصحاب الهم الإسلامي على ما هم عليه من تنافر مع شريحة كبيرة من المجتمع؟ وما النتيجة التي تتوقعها من ذلك؟ أن يدرك عموم الشعب خطأه بنفسه وينحاز لأصحاب الهم الإسلامي فيسقط العسكر ويقوم حكم رشيد؟ هل هذه السيناريو التي يرسمها المعترضون؟ أتمنى أن يجيبونا.
وأود هنا التذكير بأن تأكيدنا على أهمية الدعوة لا يعني بالضرورة وقف الحراك المعارض لحكم العسكر، لكن نقول أن هذا الحراك لن يؤتي أكله -بل سيهدر الطاقات المتبقية- إن بقينا نسير فيه معزولين عن الناس وقضيتنا مشوهة لديهم. فلا بد أن تصاحبه دعوة نقية واستمالة الناس وإبراز قيادات جديدة.
- هذه الثلاثية التي لا نرى مخرجا دونها: دعوة أصيلة تتخلص من الالتواء وتنكب الصراط الذي مارسه بعضنا تحت مسميات "المصلحة والمفسدة" و"الأمر الواقع" فما جلبت لنا إلا المفاسد.
- واستمالة الناس موقنين بأننا إن أخلصنا النية لله وصدقنا التوكل عليه وأحسنا أخلاقنا ودعونا الناس ابتغاء وجه الله لا غير فإن الله جاعلٌ لنا من رصيد فطرتهم عونا يردم الفجوات ويجلو الغشاوات.
- وإبراز قيادات تتحلى بالعلم والإخلاص والحكمة تكتسب الثقة، متحررةٍ من نمطيات فكرة ونفسية أعاقت تقدم المشروع الإسلامي.
إن انضم إلى هذه الثلاثية حراك في الشارع كان لهذا الحراك فائدته وتأثيره.
ثالثا إخوتي: يعترض البعض على قولنا أنه لا يكفي بيان جرائم العسكر ومخازي من حالفوه من مشايخ السوء، وأن الحديث عن هؤلاء ينبغي ألا يشغلنا عن الجهد الدعوي التصحيحي.
هنا إخوتي نؤكد على أن الكلام هو عن التركيز لا عن مبدأ التبيان. وإلا فمن تابع كلماتي ومقالاتي يعلم أني لا أكف عن تبيان فساد العسكر وحلفائه. كلامنا هذا موجه للإخوة الذين يرصدون كل موقف وتصريح مخزٍ لهذا "الشيخ" أو ذاك، دون أن يكون له أي جهد في البناء الدعوي التصحيحي.
اسأل نفسك أخي: عبر الشهور الأربعة الماضية (ابتداء من إرهاصات 30-6)، كم بذلنا من جهد في تصحيح المنهج والتعلم من الأخطاء واستمالة الناس إلى الحق بدعوة أصيلة نقية؟ وكم في المقابل صرفنا من جهودنا وأوقاتنا في بيان قبح وإجرام عدونا وخيانة حلفائه؟
فهل النسبة في الوقت والجهد مقبولة؟ وهل التركيز على الثانية مع إهمال
الأولى تماما يأتي بفائدة أم لا يزيد الناس إلا نفورا؟
إخوتي، المرحلة تحتاج تخطيطا وإدارة وتحديد أهداف ووسائل. أكثرنا منشغل ببيان إجرام وخيانة المذكورين ظانا أن هذا يوصله إلى الهدف، بينما أكدت مرارا أن سقوط العسكر وحده لا يكفي لصعود نموذج إسلامي صحيح.
حامل الدعوة الإسلامية بحق يحتاج إلى أن يعمل بيدين معا: يد يبني بها بنيان الحق ويد يهدم بها بنيان الباطل، أما إن انشغل بهدم الباطل عن بناء الحق فسيعود الباطل لملء الفراغ مرة أخرى.
بلا شك مطلوب منا إعلان البراءة من المجرمين وحلفائهم وبيان أن تدين هؤلاء كاذب. لكن الاقتصار عليه سيعني لدى عامة الناس أننا إنما نفعله منافسة لهم على الدنيا، وانتقاما لذواتنا كما يصور الإعلام الكاذب، فكثير من الناس يفسر أفعالنا كلها تفسيرا مشوها. لكن عندما نعمل على رسم نموذج نقي ناصع بالدعوة والتصحيح فسيدرك الناس مدى الفرق الحقيقي بيننا وبين خصومنا ويعلمون حينها أن خصومتنا معهم ليست على دنيا.
رابعا: كلام كثير من الإخوة يدل على قطع الأمل في عوام الناس الذين وقفوا موقفا سيئا أو سلبيا في الأحداث وعادَوا من ينتسب إلى الاتجاه "الإسلامي". لذ فهم يستغربون مني أن أدعو إلى تألف الناس وردم الفجوات بيننا وبينهم وعدم مناصبتهم العداء.
هنا إخوتي أود أن أؤكد على أنه لا ينبغي معاملة الناس الذين أساؤوا إلينا وظلمونا في الآونة الأخيرة معاملة واحدة.
نعم، هناك قسم من الناس خبيث النفس معادٍ للدين عبد طاغوت بالفعل، ما ينقمه منا هو أنه يرانا حاجزا عن شهواته الفاجرة. وما عن مثل هؤلاء نتكلم، وليس هؤلاء هم الذين أدعو إلى تألفهم وجذبهم بحسن دعوتنا. ولا أريد أن يُظن أبدا أنا نرى هؤلاء مسلمين بحجة أن الإعلام ضللهم أو أن أخطاء "الإسلاميين" فتنتهم عن دينهم. فمن يعادي الشريعة ويرى فيها تخلفا ويفوض العسكر بهذا القصد لا عذر له.
كما أن هناك قسما من الناس "مع الواقف" أيا كان، فيميل مع كل من رجحت كفته لأنه عديم المبدأ. وما على هؤلاء أعول أيضا.
إنما أتكلم عن فئة كبيرة أعنا الشياطين عليها بأخطائنا. هؤلاء ظلمونا وجاوزوا الحد في ظلمنا. وقد خاطبتهم بذلك في كلمة (إلى من يفرح بقتل المعتصمين بمصر)، وبكلمات ومقالات قبلها وبعدها في كل محطة. لكن حتى مع تجريمنا إياهم بأنهم صدقوا الإعلام وردوا على خطايا "الإسلاميين" بالانحياز إلى الظلمة المفسدين، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، مع هذا كله فإنا لن نستطيع أن نفرض عليهم هم فعل مما يتوجب عليهم، فليس أمامنا إلا فعل ما يمكننا نحن فعلُه.
يمكننا القول بأن الموقف السيئ الذي اتخذه بعض الناس منا كان نتيجة عدة عوامل، فكأنها معادلة:
أخطاءنا + جهل الناس وقلة دينهم + افتراءات الإعلام = موقف الناس السيئ
العامل الذي بيدنا أن نلغيه هو (أخطاءنا).
أخطاء "الإسلاميين" لا تبرر موقف الناس كالذين أعطوا التفويض أو شمتوا بنا؟! لكننا في النهاية لسنا قضاة ممكنين نملك أن نقتص للمظلوم من الظالم. لذا، فمهما أثبتنا لأنفسنا أن الناس كانوا على ضلال وظلم فإن ذلك لن يغير من الواقع شيئا ما لم نقم نحن بإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو أنفسنا.
كم نسبة هؤلاء الذين يحبون الدين بالجملة ولا يعادون الشريعة، لكنهم ظلمونا وسفهوا علينا؟ كم نسبتهم مقارنة بالذين يعادون الشريعة حقا؟ هذا ما نختلف كثيرا في تقديره. لكن أيا كانت نسبتهم فنحن المسؤولون أمام الله تعالى عن دعوتهم واستمالتهم وإزالة الغبش عن بصائرهم لأن جزءا من ضلالهم كان بسببنا. وحتى جهلهم بالإسلام الذي أدى بهم إلى ما هم فيه لنا فيه نصيب، لأننا قصرنا في دعوتهم قبل الثورة أصلا.
إخوتي، أين كنا قبل الثورة نحن الذين نسمى إسلاميين أو "شيوخ"؟ أين كنا نحن الذين يُفترض أن نحمل هم الإسلام؟ ألم نكن أكثرُنا منشغلين بشؤوننا الشخصية ونشكو ضعفنا أمام الفتن ومعاناتنا مع غض البصر وكسلنا عن الطاعات وعن طلب العلم، وننشغل بجدالات فكرية كثيرا ما يدخلها التحاسد والتباغض وحظ النفس؟ بدل أن نحزم في ذلك كله ونُحكِمه ونتعداه إلى مرحلة هداية الناس ودلالتهم على دينهم؟ لذا فنحن الآن إخواني ندفع ثمن هذا كله ونعاني من تسليط الناس علينا بما قصرنا في دعوتهم.
كثير من هؤلاء الذين سفهوا علينا كانوا من قبل يرون أحدنا "سيدي الشيخ" الذي له الاحترام والتقديم في المجالس والطرقات، أيام كنا في بلاء الضراء في عهد اللامبارك.
هذا الانقلاب الكبير منهم علينا كان أحد أسبابه تصرفاتنا في فترة ما بعد الثورة، تصرفاتنا التي أفقدتنا المصداقية أمامهم إذ ابتُلينا بالسراء فلم نصبر.
معاملة الناس الذين ظلمونا معاملة واحدة سوف تُنجح مخطط الدولة العميقة في عزلنا وقوقعتنا عن الناس واستدامة حالة العداء مع المجتمع. بينما مهمتنا الآن أن نفتت هذه الكتلة الكبيرة الجاثمة على صدورنا، فنستميل من يمكن استمالته إلى منهج قويم ومسار مصحح، ومن لم يمكنا استمالته نحيده ما استطعنا بحيث يفشل العسكر في اتخاذه أداة لضرب الدعوة، ولا يبقى في معسكر العسكر إلا خبثاء النفوس معادو الشريعة عُباد الطاغوت.
وقد سمعت بفضل الله عمن كانوا انحازوا إلى العسكر في البداية ثم تأثر بما أنشره من كلمات. كم نسبتهم؟ لا يهمني. المهم ألا نلقى الله وقد قصرنا في دعوة من يمكننا دعوتهم.
ولنتذكر إخوتي أن أحد أكبر مكتسبات الثورة في بدايتها هو حالة الالتحام التي حصلت بين الشعب وبعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي، بحيث وقفوا معا في وجه الظلم، وتطلع الناس إلى "الإسلاميين" ليقودوا ثورتهم. وبعد أن كان بعض الدعاة يحصر دعوته في المتبرجة وتارك الصلاة أصبح هؤلاء الذين ينتقدهم شركاءه في مجابهة الإثم الأكبر والشر الأعظم متمثلا في نظام الاستعباد والاستبداد.
أخطأ منا من ترك الشعب وضغطَ الشارع وتلهى بلعبة الديمقراطية، فخسرنا أكبر مكتسبات الثورة متمثلا في الالتحام مع الشعب. ولا نريد أن نكرس هذه الخسارة ونُنجح مخططات أعدائنا بمعاداة عامة شعبنا ومعاملتهم على نسق واحد.
والله تعالى أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.