تعديل

تعديل

http://www12.0zz0.com/2013/10/28/17/902165501.png http://www12.0zz0.com/2013/10/28/17/902165501.png http://www12.0zz0.com/2013/10/28/17/902165501.png

يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح

1 التعليقات
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام هذه مجموعة ملاحظات لعلها تكون نافعة بخصوص الوضع في مصر. وفيها إجابات عن تساؤلات ثارت بعد نشري لكلمة (يا أهل مصر تعالوا نضمد الجراح).

أولا: عندما نقول أن علينا الاهتمام بالدعوة وتطهير نفوسنا في هذه المرحلة فينبغي عدم الخلط بين هذا الطرح وبين ما يقوله بعض المنتسبين للسلفية. ينبغي إخواني ملاحظة الفرق الكبير بين أن نقول: نريد تصحيح المسار واستمالة من يمكن استمالته من شعبنا إلى هذا المسار النقي لنتعاون جميعا في اقتلاع الباطل من جذوره، وأثناء ذلك لا نتصالح مع الباطل ولا نتنازل له ولا نضفي عليه الشرعية في عيون الناس ولا نطلب منه كرسيا في هيكلية حكمه الفاسدة! بل نتمايز عنه ونؤسس دعوتنا من قواعدها المنفصلة ونتحمل بطش الباطل الذي لن يسكت عنا في هذا كله.
فرق بين هذا وبين التحالف مع الباطل وإضفاء الشرعية عليه وتطويع الناس له بحجة "المصلحة والمفسدة"! والدخول في هيكليات حكمه الفاسدة.

ثانيا: يعترض البعض على من يؤكد ضرورة دعوة الناس وتوعيتهم في هذه المرحلة على اعتبار أن العسكر لن يدَعونا نمارس الدعوة بل سيقمعوننا. فأقول إخواني: هذا دأب كل نظام ظالم عبر التاريخ. ومع ذلك فقد حقق الدعاة الكثير على الرغم من هذه الأنظمة لأنهم من أدوات الله في إعلاء دينه.
ونقول للذي يعتبر الدعوة غير مناسبة للمرحلة وغير موصلة للمراد: ما الحل الذي تقترحه بديلا عن هذا؟ أن يبقى أصحاب الهم الإسلامي على ما هم عليه من تنافر مع شريحة كبيرة من المجتمع؟ وما النتيجة التي تتوقعها من ذلك؟ أن يدرك عموم الشعب خطأه بنفسه وينحاز لأصحاب الهم الإسلامي فيسقط العسكر ويقوم حكم رشيد؟ هل هذه السيناريو التي يرسمها المعترضون؟ أتمنى أن يجيبونا.

وأود هنا التذكير بأن تأكيدنا على أهمية الدعوة لا يعني بالضرورة وقف الحراك المعارض لحكم العسكر، لكن نقول أن هذا الحراك لن يؤتي أكله -بل سيهدر الطاقات المتبقية- إن بقينا نسير فيه معزولين عن الناس وقضيتنا مشوهة لديهم. فلا بد أن تصاحبه دعوة نقية واستمالة الناس وإبراز قيادات جديدة.

- هذه الثلاثية التي لا نرى مخرجا دونها: دعوة أصيلة تتخلص من الالتواء وتنكب الصراط الذي مارسه بعضنا تحت مسميات "المصلحة والمفسدة" و"الأمر الواقع" فما جلبت لنا إلا المفاسد.
- واستمالة الناس موقنين بأننا إن أخلصنا النية لله وصدقنا التوكل عليه وأحسنا أخلاقنا ودعونا الناس ابتغاء وجه الله لا غير فإن الله جاعلٌ لنا من رصيد فطرتهم عونا يردم الفجوات ويجلو الغشاوات.
- وإبراز قيادات تتحلى بالعلم والإخلاص والحكمة تكتسب الثقة، متحررةٍ من نمطيات فكرة ونفسية أعاقت تقدم المشروع الإسلامي.

إن انضم إلى هذه الثلاثية حراك في الشارع كان لهذا الحراك فائدته وتأثيره.

ثالثا إخوتي: يعترض البعض على قولنا أنه لا يكفي بيان جرائم العسكر ومخازي من حالفوه من مشايخ السوء، وأن الحديث عن هؤلاء ينبغي ألا يشغلنا عن الجهد الدعوي التصحيحي.

هنا إخوتي نؤكد على أن الكلام هو عن التركيز لا عن مبدأ التبيان. وإلا فمن تابع كلماتي ومقالاتي يعلم أني لا أكف عن تبيان فساد العسكر وحلفائه. كلامنا هذا موجه للإخوة الذين يرصدون كل موقف وتصريح مخزٍ لهذا "الشيخ" أو ذاك، دون أن يكون له أي جهد في البناء الدعوي التصحيحي.
اسأل نفسك أخي: عبر الشهور الأربعة الماضية (ابتداء من إرهاصات 30-6)، كم بذلنا من جهد في تصحيح المنهج والتعلم من الأخطاء واستمالة الناس إلى الحق بدعوة أصيلة نقية؟ وكم في المقابل صرفنا من جهودنا وأوقاتنا في بيان قبح وإجرام عدونا وخيانة حلفائه؟

فهل النسبة في الوقت والجهد مقبولة؟ وهل التركيز على الثانية مع إهمال
الأولى تماما يأتي بفائدة أم لا يزيد الناس إلا نفورا؟
إخوتي، المرحلة تحتاج تخطيطا وإدارة وتحديد أهداف ووسائل. أكثرنا منشغل ببيان إجرام وخيانة المذكورين ظانا أن هذا يوصله إلى الهدف، بينما أكدت مرارا أن سقوط العسكر وحده لا يكفي لصعود نموذج إسلامي صحيح.
حامل الدعوة الإسلامية بحق يحتاج إلى أن يعمل بيدين معا: يد يبني بها بنيان الحق ويد يهدم بها بنيان الباطل، أما إن انشغل بهدم الباطل عن بناء الحق فسيعود الباطل لملء الفراغ مرة أخرى.

بلا شك مطلوب منا إعلان البراءة من المجرمين وحلفائهم وبيان أن تدين هؤلاء كاذب. لكن الاقتصار عليه سيعني لدى عامة الناس أننا إنما نفعله منافسة لهم على الدنيا، وانتقاما لذواتنا كما يصور الإعلام الكاذب، فكثير من الناس يفسر أفعالنا كلها تفسيرا مشوها. لكن عندما نعمل على رسم نموذج نقي ناصع بالدعوة والتصحيح فسيدرك الناس مدى الفرق الحقيقي بيننا وبين خصومنا ويعلمون حينها أن خصومتنا معهم ليست على دنيا.

رابعا: كلام كثير من الإخوة يدل على قطع الأمل في عوام الناس الذين وقفوا موقفا سيئا أو سلبيا في الأحداث وعادَوا من ينتسب إلى الاتجاه "الإسلامي". لذ فهم يستغربون مني أن أدعو إلى تألف الناس وردم الفجوات بيننا وبينهم وعدم مناصبتهم العداء.

هنا إخوتي أود أن أؤكد على أنه لا ينبغي معاملة الناس الذين أساؤوا إلينا وظلمونا في الآونة الأخيرة معاملة واحدة.

نعم، هناك قسم من الناس خبيث النفس معادٍ للدين عبد طاغوت بالفعل، ما ينقمه منا هو أنه يرانا حاجزا عن شهواته الفاجرة. وما عن مثل هؤلاء نتكلم، وليس هؤلاء هم الذين أدعو إلى تألفهم وجذبهم بحسن دعوتنا. ولا أريد أن يُظن أبدا أنا نرى هؤلاء مسلمين بحجة أن الإعلام ضللهم أو أن أخطاء "الإسلاميين" فتنتهم عن دينهم. فمن يعادي الشريعة ويرى فيها تخلفا ويفوض العسكر بهذا القصد لا عذر له.
كما أن هناك قسما من الناس "مع الواقف" أيا كان، فيميل مع كل من رجحت كفته لأنه عديم المبدأ. وما على هؤلاء أعول أيضا.

إنما أتكلم عن فئة كبيرة أعنا الشياطين عليها بأخطائنا. هؤلاء ظلمونا وجاوزوا الحد في ظلمنا. وقد خاطبتهم بذلك في كلمة (إلى من يفرح بقتل المعتصمين بمصر)، وبكلمات ومقالات قبلها وبعدها في كل محطة. لكن حتى مع تجريمنا إياهم بأنهم صدقوا الإعلام وردوا على خطايا "الإسلاميين" بالانحياز إلى الظلمة المفسدين، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، مع هذا كله فإنا لن نستطيع أن نفرض عليهم هم فعل مما يتوجب عليهم، فليس أمامنا إلا فعل ما يمكننا نحن فعلُه.

يمكننا القول بأن الموقف السيئ الذي اتخذه بعض الناس منا كان نتيجة عدة عوامل، فكأنها معادلة:
أخطاءنا + جهل الناس وقلة دينهم + افتراءات الإعلام = موقف الناس السيئ
العامل الذي بيدنا أن نلغيه هو (أخطاءنا).
أخطاء "الإسلاميين" لا تبرر موقف الناس كالذين أعطوا التفويض أو شمتوا بنا؟! لكننا في النهاية لسنا قضاة ممكنين نملك أن نقتص للمظلوم من الظالم. لذا، فمهما أثبتنا لأنفسنا أن الناس كانوا على ضلال وظلم فإن ذلك لن يغير من الواقع شيئا ما لم نقم نحن بإصلاح ما يمكن إصلاحه، وهو أنفسنا.

كم نسبة هؤلاء الذين يحبون الدين بالجملة ولا يعادون الشريعة، لكنهم ظلمونا وسفهوا علينا؟ كم نسبتهم مقارنة بالذين يعادون الشريعة حقا؟ هذا ما نختلف كثيرا في تقديره. لكن أيا كانت نسبتهم فنحن المسؤولون أمام الله تعالى عن دعوتهم واستمالتهم وإزالة الغبش عن بصائرهم لأن جزءا من ضلالهم كان بسببنا. وحتى جهلهم بالإسلام الذي أدى بهم إلى ما هم فيه لنا فيه نصيب، لأننا قصرنا في دعوتهم قبل الثورة أصلا.

إخوتي، أين كنا قبل الثورة نحن الذين نسمى إسلاميين أو "شيوخ"؟ أين كنا نحن الذين يُفترض أن نحمل هم الإسلام؟ ألم نكن أكثرُنا منشغلين بشؤوننا الشخصية ونشكو ضعفنا أمام الفتن ومعاناتنا مع غض البصر وكسلنا عن الطاعات وعن طلب العلم، وننشغل بجدالات فكرية كثيرا ما يدخلها التحاسد والتباغض وحظ النفس؟ بدل أن نحزم في ذلك كله ونُحكِمه ونتعداه إلى مرحلة هداية الناس ودلالتهم على دينهم؟ لذا فنحن الآن إخواني ندفع ثمن هذا كله ونعاني من تسليط الناس علينا بما قصرنا في دعوتهم.

كثير من هؤلاء الذين سفهوا علينا كانوا من قبل يرون أحدنا "سيدي الشيخ" الذي له الاحترام والتقديم في المجالس والطرقات، أيام كنا في بلاء الضراء في عهد اللامبارك.
هذا الانقلاب الكبير منهم علينا كان أحد أسبابه تصرفاتنا في فترة ما بعد الثورة، تصرفاتنا التي أفقدتنا المصداقية أمامهم إذ ابتُلينا بالسراء فلم نصبر.

معاملة الناس الذين ظلمونا معاملة واحدة سوف تُنجح مخطط الدولة العميقة في عزلنا وقوقعتنا عن الناس واستدامة حالة العداء مع المجتمع. بينما مهمتنا الآن أن نفتت هذه الكتلة الكبيرة الجاثمة على صدورنا، فنستميل من يمكن استمالته إلى منهج قويم ومسار مصحح، ومن لم يمكنا استمالته نحيده ما استطعنا بحيث يفشل العسكر في اتخاذه أداة لضرب الدعوة، ولا يبقى في معسكر العسكر إلا خبثاء النفوس معادو الشريعة عُباد الطاغوت.

وقد سمعت بفضل الله عمن كانوا انحازوا إلى العسكر في البداية ثم تأثر بما أنشره من كلمات. كم نسبتهم؟ لا يهمني. المهم ألا نلقى الله وقد قصرنا في دعوة من يمكننا دعوتهم.

ولنتذكر إخوتي أن أحد أكبر مكتسبات الثورة في بدايتها هو حالة الالتحام التي حصلت بين الشعب وبعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي، بحيث وقفوا معا في وجه الظلم، وتطلع الناس إلى "الإسلاميين" ليقودوا ثورتهم. وبعد أن كان بعض الدعاة يحصر دعوته في المتبرجة وتارك الصلاة أصبح هؤلاء الذين ينتقدهم شركاءه في مجابهة الإثم الأكبر والشر الأعظم متمثلا في نظام الاستعباد والاستبداد.

أخطأ منا من ترك الشعب وضغطَ الشارع وتلهى بلعبة الديمقراطية، فخسرنا أكبر مكتسبات الثورة متمثلا في الالتحام مع الشعب. ولا نريد أن نكرس هذه الخسارة ونُنجح مخططات أعدائنا بمعاداة عامة شعبنا ومعاملتهم على نسق واحد.

والله تعالى أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله.

التربية النبوية

0 التعليقات
[ 11/3/1433هـالموافق 3/2/2012م ]
فضيلة الشيخ / عبد الله بن فيصل الأهدل , اليمن , حضرموت , الشحر , جامع الرحمة .
ملخص الخطبة :
التربية النبوية للأمة : تربيته لأهله , تربيته لأولاده وأقاربه , تربيته لأصحابه , عنايته للأطفال - من الوسائل التربوية : الإيقاظ لصلاة الليل , ضرب الأمثال , التفقد العملي , .. من علامات الساعة : كثرة القتل , القصاص حياة , ترك القصاص يؤدي إلى انتشار القتل واختلال الأمن , يرجع في تنفيذ الحدود إلى أولي الأمر ( العلماء والأمراء ) .
الخطبة الأولى
الحمد لله , الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا , وأشهد أن لا إله إلا الله رب الناس وملك الناس وإله الناس , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمي , الرحمة المهداة , والنعمة المسداة , النبي الأمي الذي علم المتعلمين وربى المربين , علَّمه ربه فأحسن تعليمه , وأدَّبه فأحسن تأديبه , فصلى الله عليه وعلى آله بعدد كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر .
أما بعد , عباد الله , يقول الله - جل وعلا - في محكم كتابه ) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) ( [ الجمعة : 2 - 4 ] .
يمتن الله - جل وعلا - على هذه الأمة - أمة العرب - بأن أرسل إليه رسولًا من أنفسهم أمِّيًا مثلهم لا يقرأ ولا يكتب ) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ (؛ أي العرب ) رَسُولًا مِنْهُمْ ( وإن كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - رسالته للعالمين جميعًا إلا أن هذا لتكريم العرب الذين منهم هذا النبي الأمي ) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ( ؛ أي أمي لا يقرأ ولا يكتب , يتلو عليهم آياته من حفظه ومن صدره , ويزكيهم , والتزكية : هي التربية , تزكية الأمة والأميين بهذا الكتاب وتدريبهم على العمل به وطاعتهم لنصوصه واستجابتهم لمقتضياته , إصلاح النفس بنصوص هذا الكتاب ) .. وَيُزَكِّيهِمْ (؛ أي يطهرهم ويربيهم , يطهرهم من العقائد الفاسدة والسلوكيات الخاطئة الأخلاق الرذيلة ) وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ (وتعليم الكتاب شيء آخر غير تلاوة الكتاب ) يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ (؛ أي يقرأ عليهم آياته ويبلغهم آياته ويعلمهم الكتاب , تعليمهم الكتاب هو بيان معانيه وتفسيره والتزكية : هي التطهير بهذا الكتاب , تطهير العقائد والأخلاق والسلوك , وهو ما نسميه اليوم بالتربية , فهذه هي وظيفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ) وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ( , والحكمة , السنة .
ومن تعليم الكتاب ما جاء في « الصحيحين » عن أبي هريرة قال : بينما كنا جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ نزلت عليه سورة الجمعة فتلاها علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : يا رسول الله - حين تلا قول الله - جل وعلا - : ) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ( - قلت : من هم يا رسول الله ؟ فلم يجبني , فكررت السؤال ثلاثًا : من هم يا رسول الله ؟ حتى نزل الوحي ببيان ذلك , وكان في القوم سلمان الفارسي , فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان , وقال : « لو كان الإيمان في الثريا لناله رجال من هؤلاء » ([1]) ؛ أي مثل سلمان الفارسي - رضي الله تعالى عنه - , فهذا معنى قوله - جل وعلا - ) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ( أي : آخرين غير الأمة الأمية ؛ لأن ذلك معطوف على الأميين ) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) ( أي : من قبل بعثته كانوا في انحراف عظيم , في انحراف بيِّن وواضح ) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ( أي : آخرين من العرب وغيرهم ممن لم يلحقوا بهؤلاء الأميين الذين عاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولكنهم سيلحقون بهم ممن لم يلحقوا بهم في الزمن , ولكنهم سيلحقون بهم , وهم من العرب وغيرهم ) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) ( .
ولهذا جاء في حديث سهل بن سعد الساعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن في أصـلاب أصلاب أصـلاب أصلاب رجالٍ من أصحاب الرسول رجالاً ونساءً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب » رواه بن أبي عاصم بإسناد صحيح ([2]) , وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : « في كل قرن من أمتي سابقون » ([3]) , فسيبقى في كل قرن صديقون , وشهداء , وصالحون , في كل قرن , وهذا المراد بقوله تعالى : ) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) ( [ الجمعة ] .
لكن من الذي يزكي نفسه بهذا الكتاب ! ويربي نفسه وأهله وأهل طاعته وإخوانه على هذا الكتاب ونصوص هذا الكتاب ! ويدرب نفسه على تلك الأعمال العظيمة ! كما سئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - , فقالت : « كان خلقه القرآن » ([4]) , لقد كان - صلى الله عليه وسلم - مربيًا عظيمًا , يكفي أنه ربى هذه الأمة وقادتها , ربى هذه الأمة بنصوص هذا الكتاب , ومنذ أن أشعلها محمد - صلى الله عليه وسلم - وربى أصحابه على نصوص هذا الكتاب , وانبثقت تلك الأمة التي هي خير أمة من نصوص هذا الكتاب , وقادت العالم , وأخرجته من الظلمات إلى النور , منذ ذلك الوقت وهذا الكتاب الخالد قائم أمامكم , يحمل منهجًا تربويًا لا نحتاج معه إلى شيء , لو تدبرنا هذا القرآن , وتمعَّنا في هذا القرآن , ولعل أعظم معجزة لهذا الكتاب الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو انبثاق خير أمة من خلال تعاليمه , ومن خلال نصوصه , هذه الأمة التي كانت في جاهلية , وكانت في ضلال مبين , قد أصبحت بعد ذلك من العلم والتزكية والتأهيل للقيادة بحيث أنها أخرجت العالم من الظلمات إلى النور , وشهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء .
لقد كان - صلى الله عليه وسلم - نعم المربي ! مُربٍّ في بيته , ومُربٍّ لأصحابه , ومُربٍّ لعموم المسلمين , والنماذج كثيرة لو أردنا أن نستقصي ذلك , ولكن في هذه العجالة نقول كلمة موجزة :
فمن تربيته لزوجاته أنه سمع يومًا عائشة وهي تقول في صفية أم المؤمنين , تقول : حسبك من صفيه أنها قصيرة , فقال - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلمة العابرة الذي قد تمر علينا , وقد نقولها أحيانًا , وهي عند الله كبيرة من الكبائر ؛ لأنها غيبة , فلما سمعها تقول : حسبك من صفيه أنها قصيرة , قال : « لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته » ([5]) أي : لو مزجت هذه الكلمة بماء البحر لغيرت لونه ؛ لأنها كلمة عظيمة عند الله , إنها غيبه , إنها احتقار للمسلم , وأي مسلم ! صفية ! « بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم , كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه » ([6]) « بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم » أي : يكفيه من الشر - لو لم يكن معه من الشر إلا هذا - أن ينال أعظم العقوبات بذلك « بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم , كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه » , يقول الله -جل وعلا - : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ( [ الحجرات : 11 ] .
لم تمر هذه الكلمة عابرة على المصطفى وهو المربي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - , وهكذا كان مع أولاده أيضًا ومع أقاربه .
ومن تربيته لأولاده وأقاربه أنه دخل في ذات ليلة على فاطمة ابنته وعلى صهره علي , فوجدهما نائمين , فأيقظهما لصلاة القيام لصلاة الليل , يدربهما ويؤهلهما على هذه السنة المؤكدة التي هي من دأب الصالحين , ثم ذهب , فلم يستيقظا , ثم عاد بعد ساعة فوجدهما نائمين , وهذه هي التربية , ليست مجرد كلمات تقال , بل هي تعهُّد وتكرار وتطبيق وعمل , ثم عاد , فوجدهما نائمين , فأيقظهما , فقال : ألا تصليان ؟ ثم ذهب , فرجع بعد ساعة , فوجدهما أيضًا نائمين , فأيقظهما , وقال : ألا تصليان ؟ فقام علي بن أبي طالب يفرك عينيه , ويقول : يا رسول الله , أرواحنا بيد الله , إن شاء بعثها , وإن شاء أمسكها , فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم – مغضبًا , وهو يضرب على فخذه بكفه , ويقول : ) وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ( [ الكهف : 54 ] ([7]) .
هذه هي التربية , وهذا هو الصبر , بينما الواحد منا ربما يشفق على أبنائه , فلا يوقظهم لصلاة الفريضة - صلاة الفجر - شفقةً بأبنائه , وهذا ليس من التربية الصحيحة , التربية أن تنظر إلى مصلحته في العاجلة والآجلة , وأن يتعود على القيام لصلاة الفجر , ولو لم يبلغ ؛ ليتعود على هذه العبادة العظيمة , ولينبت الإيمان في قلبه منذ صغره .
وهكذا كان مع أصحابه مربيًا معلمًا , فيومًا سأل أبا بكر وعمر عن وردهما من الليل , كيف يقومان , فقال لأبي بكر : « كيف تقوم في الليل ؟ » قال : أصلي من الليل قبل أن أنام , فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : « مؤمن حذر » , ثم قال لعمر : وكيف تصلى من الليل ؟ فقال : أنام أول الليل وأقوم آخره , فقال : « مؤمن قوي » رواه الإمام أحمد بإسناد حسن ([8]) .
هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتفقد أصحابه , ويطمئن على سلوكهم , وعلى عبادتهم لربهم , ويتفقدهم حتى في مثل هذه السنن , ويوجههم , وهذه هي التربية , وليست لقاءً عابرًا في المسجد , أو لحظات أو كلمات أو ساعات قلائل , بل هي معايشة دائمة , ومعاشرة , وإصلاح للعقائد والسلوك والأخلاق والمنهج والتفكير , وكل شيء في حياة الإنسان , لقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه كل شيء , حتى الخراءة ([9]) كيف يقضي المرء حاجته ؟ وكيف يفعل ؟ وماذا يقول ؟ وكيف يتناول الطهارة ؟ وفي كتب الفقه باب كامل لآداب قضاء الحاجة .
وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع شباب الإسلام , ومع أطفال الإسلام , فهذه توجيهاته للشباب « يا معشر الشباب , من استطاع منكم الباءة فليتزوج , ومن لم يستطع فعليه بالصوم ؛ فإنه له وجاء » ([10]) .
وكان يعتني بأطفال المسلمين , كما جاء في « الصحيح » عن أنس : أنه كان إذا مرَّ على الصبية سلم عليهم ([11]) , وكان يزور الأنصار , ويزور صبيانهم , ويسلم عليهم , ويمسح على رءوسهم , ويدعو لهم ([12]) , إنه بهذه التصرفات كان ينشئ جيلًا عظيمًا , كان يبني النفوس , وكان يعلم أن هؤلاء هم رجال المستقبل , وأن هؤلاء لابد من إعدادهم والاعتناء بهم وإعطائهم حقهم وحظهم من التربية والتوجيه , بل لقد كان لعموم الأمة كذلك , دخل يومًا السوق فوجد الناس مشغولين منهمكين في البيع والشراء والدنيا , فأخذ جديًا ميتًا أسك ؛ أي قصدير الأذنين , فنادي في السوق : « من يشتري هذا بدرهم ؟ » , فاجتمع الناس , فإذا جدي أسك ميت , فقالوا : يا رسول الله , إنه لو كان حيًا لكان عيبًا فيه أنه أسك , فكيف وهو ميت ! لا نريده بشيء , فقال : « لهوان الدنيا على الله أهون من هذا عليكم » ([13]) كان يريد أن يوجههم , ولم يكتفِ بمثل هذه الأمثال التي يضربها ويغرسها في أصحابه , وفي الأمة , بل كان أيضًا يتفقد عمليًا , مر ذات يوم في السوق على صاحب طعام , هناك صُبرة من الطعام ( كومة من الطعام ) , فأدخل يده الشريفة في الطعام , فإذا به بلل , فقال : « ما هذا يا صاحب الطعام ؟ » قال : أصابته السماء - يعني مطر - , قال : « هلَّا أظهرته ليراه الناس » - يعني هلا كان هذا في الأعلى حتى يرى الناس أن هذا الحب مبلول , ولا يكون هناك غش - « من غشنا فليس منا » ([14]) .
هذه كانت تربيته لأهل بيته ولأصحابه ولأطفال المسلمين وشبابهم وللأمة , وبهذا استطاع أن يبني هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس , ولو أردنا أن نستقصي تربيته وتوجيهه - هذه التربوية العملية والقولية - لطال بنا المقام , فصلى الله عليه وعلى آله , سيد المربين , وسيد المصلحين .
أقول قولي هذا , وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب , فاستغفروه , إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( [ آل عمران : 102 ] , ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( [ النساء : 1 ] , ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ( [ الأحزاب :70-71 ] .
أما بعد , فإن أصدق الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار .
أيها المسلمون , إن من أشراط الساعة أن يكثر القتل والهرج والمرج , وقد أخبر بذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى أن ذلك من علامات قرب الساعة , فقرب الساعة يعني قرب لقاء الله وقرب الحساب والجزاء , فالسعيد من اتعظ بهذه المواعظ , واستعد ليوم لقاء الله , فالكيس العاقل من عمل لما بعد الموت , وأعد للسؤال جوابًا , ففي « صحيح مسلم » أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتَل ؟ ولا يدري المقتول فيم قتل ؟ » قالوا : وكيف يا رسول الله ؟ قال : « الهرج . القاتل والمقتول في النار » ([15]) , ومعنى الهرج : هو اختلاط الأمر والتباسه وعدم الوضوح , ولا يدرى فيه المحق من المبطل , وهذا الزمن الذي نحن فيه هو زمن الهرج والالتباس , ولا يدرى فيه المحق من المبطل في كثير من الأحيان , وليس في كل الأحيان ؛ ولذلك هذا من علامات الساعة , ولقد كثر القتل في هذا العصر الحديث الذي نحن فيه في هذا القرن ؛ ففي أقل من ربع قرن من هذا العصر قامت حربان عالميتان حصدت الملايين , فالحرب العالمية الأولى ذهب ضحيتها عشرة مليون من البشر , والثانية خمسة وخمسون مليون , واليوم العالم مهدد بحرب عالمية ثالثة , نسأل الله - عز وجل - أن يدفعها عن المسلمين , والحرب الأهلية الروسية عشرة مليون , والحرب الأهلية الأسبانية اثنا عشر مليون , والحرب العراقية الإيرانية مليون , وغزو العراق مليونان , وبدأت الثورات العربية اليوم وذهب ضحايا أبرياء كثير , وما ندري العالم مقبل على ماذا ؟
في مجتمعنا أيضًا في اليمن بدأ القتل , ونحن ننبه ونحذر المسلمين من هذه الجريمة التي هي أعظم جريمة بعد الشرك بالله , ونذكرهم بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس , والثيب الزاني - وهو الذي سبق له زواج شرعي ثم وقع منه الزنا - والثيب الزاني , والتارك لدينه المفارق للجماعة » ([16]) .
ما عدا هذه الثلاث فلا يحل دم امرئ مسلم , والأصل في الناس الإسلام , فكل من ثبت إسلامه فإن دمه معصوم , لا يجوز التعرض له بالقتل إلا بإحدى ثلاث , يقيم ذلك أهل العلم والمعرفة , ومن ولاه الله - عز وجل - أمر المسلمين , فلا يحل دم امرئ مسلم بالظن , ولا بالعصبية الجاهلية , إنما بإحدى ثلاث : الثيب الزاني , والنفس بالنفس , والتارك لدينه المفارق للجماعة ) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ( [ البقرة : 179 ] .
فإن الدم إذا لم يَجْرِ فيه القصاص - إلا أن يعفو أولياء الدم - فإنه يطلب الدم , فالدم يطلب الدم , ولهذا الله - عز وجل - يقول : ) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ( [ البقرة : 179 ] .
فمتى ما اقتُصَّ من القاتل سكنت الأمور وحَيِيَ الناس , وعاشوا في أمن , ومتى ما ترك القاتل بأي حجة واهية , ولم يقم عليه الحد فإن ذلك مدعاة لاستمرار الدم ومدعاة لتوسع القتل , والله - عز وجل - يقول : إذا كان عندكم ألباب وعقول فلكم في القصاص حياة ) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ( [ البقرة : 179 ] .
كذلك لا يجوز قتل مسلم إلا بعد التأكد من أنه يستحق القتل بالأسباب الشرعية , ويقيم أهل العلم ومن ولاهم الله - عز وجل - أمر المسلمين مثل هذا الأمر , ولا يجوز أن يكون ذلك بالشبهة أو بالاحتمال أو بالالتباس , ولئن يخطئ الإنسان في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ؛ لأن هذا الأمر خطير , وخصوصًا قتل النفس التي حرم الله قتلها ؛ ولذلك نحن ننكر في هذا المنبر قتلَ أي مسلم من أي جهة كانت أو فئة كانت إلا أن يستحق القتل , فيقيمه من ولاهم الله - عز وجل - أمر هذه الأمة .
ثم اعلموا عباد الله أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه , وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه , وثلَّث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه , فقال - ولم يزل قائلًا عليمًا وآمرًا حكيمًا - : ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( [ الأحزاب 56 ] .
اللهم صلِّ على محمد , وعلى آل محمد , كما صليت على إبراهيم , وعلى آل إبراهيم , وبارك على محمد , وعلى آل محمد , كما باركت على إبراهيم , وعلى آل إبراهيم , في العالمين , إنك حميد مجيد .
وارضَ اللهم عن الأئمة الخلفاء , الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون , أبي بكر الصديق , وعمر الفاروق , وذي النورين عثمان , وأبي السبطين علي , وعن سائر الصحابة والتابعين , وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين , وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين , اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين , واحفظ حَوزَة الدين , وأذلَّ الشرك والمشركين , اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا يُعَزُّ فيه أهل طاعتك , ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك , ويُؤمَر فيه بالمعروف , وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء .
اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن , وسوء الفتن , ما ظهر منها وما بطن , عن بلدنا هذا خاصة , وعن سائر بلاد المسلمين عامة , برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم انصر المسلمين في فلسطين , وفي سوريا , وفي العراق , وأفغانستان , وفي كل مكان , أَيِّدهم بتأييدك , وانصرهم بنصرك , واحقن دماءهم , واحفظهم يا أرحم الراحمين .
) رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( [ الأعراف : 23 ] ) رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( [ البقرة 201 ] .
عباد الله ,
) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( [ النحل : 90 ] .
فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم , واسألوه من فضله يعطكم , واشكروه على آلائه يزدكم , ) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( [ العنكبوت : 45 ] .


[1] - رواه البخاري في « صحيحه » (4615) ومسلم في « صحيحه » (6662) عن أبي هريرة .
[2] - صحيح : رواه ابن أبي عاصم في « السنة » (309) عن سهل بن سعد , وصححه الألباني في « ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم » (1/120) .
[3] - صحيح : رواه أبو نعيم في « حلية الأولياء » (1/8) عن ابن عمر , وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة » (2001) .
[4] - رواه مسلم في « صحيحه » (1773) عن عائشة .
[5] - صحيح : رواه أحمد في « المسند » (25601) وأبو داود في « السنن » (4877) والترمذي في « السنن » (2502) عن عائشة , وصححه الألباني في « صحيح وضعيف الجامع الصغير » (9271) .
[6] - رواه مسلم في « صحيحه » (6706) عن أبي هريرة .
[7] - رواه البخاري في « صحيحه » (1075) ومسلم في « صحيحه » (1854) عن علي بن أبي طالب .
[8] - صحيح : رواه أحمد في « المسند » (14363) وأبو يعلى في « المسند » (1821) وعبد بن حميد في « المسند » (1034) والطحاوي في « شرح معاني الآثار » (1864) وابن أبي شيبة في « المصنف » (6772) (8168) عن جابر , ورواه أبو داود في « السنن » (1436) وابن خزيمة في « صحيحه » (1084) والحاكم في « المستدرك » (1120) والبيهقي في « السنن الكبرى » (4617) والطبراني في « المعجم الأوسط » (3059) وأبو نعيم في « معرفة الصحابة » (1867) عن أبي قتادة , ورواه الطبراني في « المعجم الكبير » (14525) عن عقبة بن عامر , ورواه ابن خزيمة في « صحيحه » (1085) وابن حبان في « صحيحه » (2446) والحاكم في « المستدرك » (1121) والبيهقي في « السنن الكبرى » (4619) عن ابن عمر , وصححه الألباني في « صحيح وضعيف أبي داود » (1434) , وهذا لفظ الطبراني في « المعجم الكبير » .
[9] - رواه مسلم في « صحيحه » (629) .
[10] - رواه البخاري في « صحيحه » (1806) ومسلم في « صحيحه » (3464) عن عبد الله بن مسعود .
[11] - رواه البخاري في « صحيحه » (5893) ومسلم في صحيحه (5791) عن أنس .
[12] - صحيح : رواه النسائي في « السنن الكبرى » (8349) وابن حبان في « صحيحه » (459) والبغوي في « شرح السنة » (6/181) عن أنس وصححه الألباني في « السلسلة الصحيحة » (1278) .
[13] - رواه مسلم في « صحيحه » (7607) عن جابر .
[14] - رواه مسلم في « صحيحه » (295) عن أبي هريرة .
[15] - رواه مسلم في « صحيحه » (7488) عن أبي هريرة .
[16] - رواه البخاري في « صحيحه » (6484) ومسلم في « صحيحه » (4468) عن عبد الله بن مسعود .